انهيار الدعم السريع- الجيش يستعيد القصر، ودارفور مسرح الفصل الأخير.

مع الانحدار المريع لقوات الدعم السريع، والذي تجسد فجر يوم الجمعة الموافق 21 مارس/آذار 2025، حينما تمكن الجيش السوداني والقوات الموالية له من استعادة القصر الرئاسي، وفرض سيطرته الكاملة عليه ومحاذاته، وما أعقب ذلك من فرار جماعي لبقايا قوات الدعم السريع من الجنوب الغربي للعاصمة الخرطوم، متوجهين نحو كردفان، ومن ثم إلى دارفور، مع هذا التدهور، بات الطريق ممهدًا إلى حد بعيد أمام الجيش السوداني لإحراز النصر الكامل على تمرد قوات الدعم السريع.
إذ خسرت كافة الأراضي التي كانت تحت قبضتها منذ بداية الصراع، باستثناء مدن الجنينة في غرب دارفور، ونيالا في جنوب دارفور، وأجزاء متفرقة من شمال دارفور، لا سيما في محيط مدينة الفاشر التي تسعى الدعم السريع لاقتحامها والسيطرة عليها منذ شهور دون جدوى.
وهي تعول على الاستيلاء على هذه المدينة لفرض هيمنتها المطلقة على إقليم دارفور بهدف إعلان حكومة موازية فيه، سعيًا لفصل الإقليم، أو على أقل تقدير لتعزيز قدراتها الهجومية في الإقليم لاستئناف العمليات العدائية ضد الجيش والحكومة المركزية.
ويشير انهيار قوات الدعم السريع، والوتيرة المتسارعة لهذا الانهيار عقب سيطرة الجيش السوداني على القصر، إلى أن القوة المحورية للدعم السريع كانت متمركزة بشكل أساسي في القصر الرئاسي وجواره، في بؤرة يمثل موقع القصر الرئاسي مركزها.
وبسقوط هذه النقطة المحورية، تفكك التنظيم وانهارت بقية القوات المنتشرة حول هذا النطاق جراء ضربات الجيش السوداني والقوات المساعدة له، ونيرانها الغزيرة عليها من المسافة صفر، مما أسفر عن سقوط أعداد غفيرة من القتلى والجرحى والأسرى، والهاربين خارج هذا النطاق باتجاه الجنوب الغربي من العاصمة.
ومما يقوي هذه الفرضية بأن القوة الضاربة للدعم السريع كانت تتمركز في هذا المحيط، ما كشف عنه الجيش السوداني من مخازن للأسلحة الثقيلة المتطورة والحديثة، وأجهزة التشويش المتقدمة التي تم العثور عليها في مقرات مختلفة داخل محيط القصر الرئاسي، حيث يؤكد خبراء عسكريون أنها كانت كفيلة بتمكين قوات الدعم السريع من التصدي لأي هجوم عليها مهما بلغت ضراوته، وإطالة أمد بقائها في هذه المنطقة.
بيد أن ذلك لم يحدث، بل جاء الانهيار سريعًا ومفاجئًا للجميع، بالنظر إلى تأكيدات قائد الدعم السريع حميدتي قبل أيام معدودة من سقوط القصر في قبضة الجيش، بأن قواته لن تتخلى عن القصر الرئاسي، وأن الجيش لن يحقق نصرًا في معركة القصر، وأن هناك مفاجأة قد أعدتها قواته للجيش.
وهو ما يثير التساؤلات حول الدافع وراء ذلك الانهيار المتسارع: هل هو افتقار أو ضعف كفاءة عناصر الدعم السريع في استخدام هذه الأسلحة المتطورة النوعية؟ أم أن الحصار الذي فرضه الجيش السوداني على هذه القوات قبل الهجوم على القصر بأسابيع كان له التأثير الحاسم في انقطاع الإمدادات من المؤن الغذائية؟ أم أن كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى الانهيار المدوي، وأن وعيد قائد الدعم السريع كان مجرد كلام يهدف إلى رفع الروح المعنوية لقواته وهي تستعد لصد هجوم الجيش؟
بغض النظر عن ذلك، فإن الواقع الميداني يؤكد أن قوات الدعم السريع قد منيت بهزيمة قاسية، وفقدت موقعًا حيويًا كان يمنحها تواجدًا مميزًا في قلب السودان، وقد وصفت الخارجية الأميركية استعادة الجيش السوداني للقصر الرئاسي بالمنعطف الهام في مسار الحرب في السودان.
وبذلك، طويت صفحة مهمة من صفحات الحرب التي استمرت لعامين، وتبقى الفصل الأخير منها، والذي سيكون مسرحه إقليم دارفور.
وبقراءة للوضع الراهن على الصعيد العسكري، وما لم تطرأ متغيرات أو مستجدات تغير ميزان القوة العسكري القائم بين قوات الدعم السريع من جهة، والجيش السوداني والقوات المساندة له من جهة أخرى، وتحركه في مسار مغاير لما هو عليه الآن، فإن استمرار الجيش السوداني في إلحاق الخسائر بقوات الدعم السريع، وتكبيدها المزيد من الهزائم، هو الأرجح والأكثر توقعًا لعدة أسباب:
- أولًا: فقدت قوات الدعم السريع في معركة الخرطوم عددًا كبيرًا من عناصرها، وكميات هائلة من عتادها العسكري، بالإضافة إلى فقدانها مواقع إستراتيجية هامة كانت تستخدمها كقواعد لإطلاق القذائف على مواقع الجيش والمواقع المدنية الحيوية في العاصمة والولايات، وذلك عبر المدافع والطائرات المسيّرة.
- بالمقابل: استولى الجيش السوداني على معدات وآليات عسكرية، وأسلحة ثقيلة وخفيفة، ومنظومات تشويش متطورة كانت بحوزة قوات الدعم السريع، فضلًا عن ارتفاع الروح المعنوية لأفراد الجيش والقوات الموالية له، وإصرارهم على مواصلة القتال في آخر معاقل الدعم السريع.
-
فقدان الدعم السريع مضادات الطيران الفعالة لإيقاف هجمات سلاح الطيران، الذي سيكون له التفوق المطلق في معركة دارفور، حيث ستنحصر قوات الدعم السريع تحت مرمى طيران الجيش السوداني، لتصبح هدفًا يسيرًا له.
- مع انتهاء معركة الخرطوم، انتهت حرب المدن التي كانت لقوات الدعم السريع فيها ميزة نسبية، نظرًا للطبيعة القتالية لهذه القوات التي تعتمد على تكتيك "الكر والفر"، والحركة السريعة، والاختباء وسط الأعيان المدنية، واتخاذ المدنيين كدروع بشرية، واعتماد هذه القوات على ما يعرف بـ "الفزع".
وهذا النمط من القتال يعيق حركة الجيوش النظامية المحترفة، التي تدربت على الحروب التقليدية التي تنشب بين الدول، وتستخدم فيها كافة الأسلحة والقوى الفتاكة. ومع خروج المواجهات خارج العاصمة، فقدت قوات الدعم السريع هذه الميزة بشكل كامل. - قوات الكفاح المسلح في دارفور، أو ما يُعرف حاليًا بـ (القوات المشتركة)، التي تقاتل تحت إمرة الجيش السوداني، تمتلك خبرة واسعة وطويلة في حرب الصحراء، بحكم ممارستها المديدة لأكثر من عقدين في خوض هذا النوع من الحروب، وهي الخصم الأكبر لقوات الدعم السريع.
هذه القوات، المدعومة بقيادة الجيش، قادرة على حسم المعركة في وقت وجيز، فهي على دراية تامة بأسلوب الدعم السريع في القتال، بالإضافة إلى معرفتها بجغرافيا وتضاريس دارفور.
وقد حاولت قيادات رفيعة في قوات الدعم السريع في وقت سابق استمالة هذه القوات إلى صفها أو تحييدها بتقديم وعود مغرية بشأن السلطة والثروة، تجنبًا لمواجهتها، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. - بالنسبة للجيش السوداني، فإن المرحلة الأصعب قد ولت بانتصاره فيها، وأن ما تبقى له هو الأسهل، بينما العكس هو الصحيح بالنسبة لقوات الدعم السريع، فإن المرحلة الأسهل انتهت بهزيمتها، وما تبقى لها هو الأصعب. هذه هي المعادلة القائمة حاليًا.
وهكذا، أصبحت جميع الخيارات أمام قوات الدعم السريع، وهي تستعد لخوض آخر المعارك، صعبة؛ فإما أن تخوضها بوضعها الراهن المتردي، والنتيجة المرجحة هي الهزيمة، وإما أن تستسلم، وإما أن تعبر الحدود الغربية إلى خارج السودان.
وكل هذه الخيارات تحمل عنوانًا واحدًا بارزًا هو: (الهزيمة).